في إنجاز تاريخي هو الأول من نوعه عربياً وأفريقياً، بلغت لاعبة التنس أُنس جابر التونسية نهائي بطولة ويمبلدون لكرة التنس، التي طالما كانت الهيمنة فيها مقتصرة على الأمريكيات والأوروبيات. بالتأكيد الأمر لم يكن بهذه السهولة على جابر، فقد واجهت كل التحديات والخيبات التي قابلتها في مشوارها، بقوة وشجاعة لا مثيل لها، وتحلت بالصبر لتصبح ملهمة العرب، ومثال يحتذى به لكل هواة لعبة التنس التي يطلق عليها لعبة الملوك. ليصلن إلى هذا الإنجاز، وهو ما تتنماه التونسية بان ترى الكثير من العرب في نفس المكانة.
في كلمة عبرت فيها وزيرة السعادة كما يطلق عليها مشجعيها، عن فخرها بالإنجاز التاريخي لها بوصولها إلى نهائي بطولة ويمبلدون لكرة التنس، والتي تعتبر من كبرى بطولات اللعبة، قالت أنس جابر: أتمنى أن أرى لاعبين آخرين من العرب والأفارقة في البطولة.. أحب اللعبة وأريد أن أشاركهم التجربة"
بداية مشوار المجد للاعبة التونسية أُنس جابر
لم يكن الطريق سهل او مفروش بالورود، لتصل اللاعبة التونسية "أُنس جابر" إلى القمة، في لعبة التنس التي طالما كانت مقتصرة على الأثرياء، وهي فتاة تعيش في مدينة ساحلية جنوب العاصمة التونسية. وهو ما تطلب منها ان تقضي نحو 10 أعوام تلعب في صفوف المحترفات في اللعبة، حتى تتألق وتصبح خصم عنيد في تنس السيدات، تخشى بطلات اللعبة أن تواجهه.
في محافظة سوسة الساحلية، حيث ولدت أنس جابر عام 1994، كانت البداية مع لعبة التنس، حيث بدأت على ملاعب الفنادق، وبعدها انتقلت إلى ملعب "نادي حمام سوسة" في نفس المحافظة. كان المدرب "نبيل مليكة"، أول مدرب تولى تدريبها.
كان من الواضح من البداية امتلاك أًنس موهبة فريدة وشخصية قوية، لهذا كانت دائماً ما تحاول ان تكون اللاعبة المتميزة بين رفاقها، سواء البنات أو الأولاد. هذا ما قاله "نبيل مليكة"، والذي ظل مدربها خلال الأعوام الأولى من بدايتها، والذي أكمل قائلاً: كانت تمتلك قدرات مذهلة في التحكم في الكرة، بما جذب لها أنظار مدربي كرة اليد، وحاولوا ضمها إلى للعبة، بما جعلها هي تفكر في الامر، ولكنها قررت البقاء في لعبتها المفضلة.
وتابع مدرب الملهمة التونسية قائلاً: كانت أُنس شعلة من النشاط والحركة، تحاول دائماً أن تظهر بمستوى أفضل في السيطرة على الكرة، كانت دائماً في مستوى اعلى من رفاقها، مما كان يضعني في حيرة وحرج مع باقي أعضاء فريقها، هل نرتقي لمستوى اعلى في التمرين، أم انتظر وصول باقي زميلاتها لمستواها".
التحقت أنس بالمعهد الرياضي بالمنتزه بمدينة تونس، في عمر الثانية عشرة، لتبدأ خطوة جديدة في رحلة المجد، وكان وقتها اللاعب المحترف "عمر العبيدي" زميل لها، وهو لاعب تنس محترف وقتها، والذي أكد انه كان يتنبأ لها بوصولها إلى مستوى عالمي، حتى أنه كان يلقبها باسم "روجيه فيدرر" لاعب التنس السويسري الذي يلقب بالأسطورة. وأضاف أنه خلال التمرين في إحدى المواجهات معها، كسرت يده وهو يحاول أن يلحق بكرة ألقتها له.
الظهور العالمي الأول للبطلة التونسية أُنس جابر
كان الظهور الأول للملهمة التونسية أنس عام 2011، عندما فازت ببطولة رولان جاروس للناشئات، من هذا التتويج جذبت لها أنظار هواة لعبة الأثرياء، الذين علقوا أمالهم عليها لتصنع التاريخ والمجد في هذه اللعبة التي كانت حكراً على لاعبات التنس في أوروبا وأمريكا.
خيبات السنوات الأولى من الاحتراف في حياة أُنس جابر
بالرغم من الانطلاقة القوية التي حققتها أُنس في عالم الاحتراف، إلا أن عام 2012 كان مخيب للآمال، فقد فوجئت بمستوى عالي جداً للاعبات التنس المحترفات، بما لم يؤهلها للانضمام إلى نادي المئة. مما أجبرها للمشاركة في بعض البطولات الكبرى ببطاقة دعوة.
بعدها لم تتمكن أُنس من التألق لتواصل البريق والنجومية وجذب الأنظار لها، بل خفت بريقها لعدة سنوات، على عكس اللاعبات المحترفات اللواتي بلغن قمة توهجهم في سن مبكرة قبل الـ22 عام، مثل الروسية ماريا شارابوفا، ومارتينا هينغيز السويسرية، والأمريكية سيرينا وليامز المصنفة الأولى على مستوى العالم في لعبة التنس.
حصولها على ترتيب متأخر في التصنيف العالمي للعبة، جعلها تشعر بالملل، بما شجعها ان تبذل مجهود مضاعف لتترك هذا الترتيب، من خلال التدريب لتحسين لياقتها، بما يدعمها في التقدم خطوة في مشوارها لتأتي ضمن العشر الأوائل في التصنيف العالمي للعبة لعام 2021.
عام 2017 نجحت أنس في الوصول إلى هدفها، والانضمام إلى نادي المائة في العالم، كما وصلت إلى نهائي دورة موسكو المفتوحة عام 2018 كأول نهائي لبطولة كبرى في حياتها.
أُنس جابر تجني ثمار التعب والكفاح
عام 2020 كان أول عام تبدأ فيه أنس الملهمة التونسية قطف ثمار مجهودها لسنوات طويلة والكفاح والمثابرة، بعد بلوغها الـ28 عاماً، حيث حصلت على عضوية لنادي الـ50 المحترفات في العالم، بعد وصولها إلى دور ربع نهائي بطولة أستراليا المفتوحة، ، وبعدها تأهلت لدور الربع نهائي في بطولة كبرى أخرى وهي رولات غاروس.
عام 2021 كان عام بلوغ المجد بالفعل بالنسبة لأنس، فقد تأهلت إلى دور الربع نهائي في بطولة ويمبلدون، وفي نفس العام توجت بأول لقب لها في بطولة برمنجهام، لتحصد المركز السابع في التصنيف العالمي للعبة، لتحقق أول خطوة في سلم المجد الذي أعلنت عنه في بداية الموسم.
واصلت الدولية أنس تحقيق النتائج المبهرة في عام 2022، بعد أن توجت ببطولة مدريد من فئة 1000 نقطة، وبطولة برلين من فئة 500 نقطة، وتأهلت لدور النهائي في بطولة روما. فيما وصلت لمواجهة قوية في نهائي بطولة ويمبلدون الكبرى.
أنس جابر الملهمة التونسية للعرب والأفارقة
بعد هذا المشوار المرهق والطويل، تعلن أنس عن أمنيتها في ان تكون مصدر الهام لكل لاعبات التنس في البلاد العربية وفي القارة الأفريقية، مؤكدة ان مشوارها لم يكن سهل أبداً، مشجعة اللاعبات التونسيات والعرب وغيرهم من القارة السمراء قائلة: ثقوا في أنفسكم، أنا لست من عائلة غنية، لهذا توقفوا عن إيجاد مبررات، فقد اذهبوا للعمل واستمتعوا باللعبة، ستحققون نتائج جيدة".
الاستسلام كلمة ليست في قاموسها، اكدت أنس جابر على هذا بعد أن تأهلت لنصف النهائي وتأخرها بمجموعة مضيفة: من الصعب جداً قلب الطاولة، وخاصة في مواجهة خصم قوي، بما يجعل الامر صعباً في الفوز في المجموعة الثانية، إلا ان التدريب على كيفية اللعب بشكل أحسن والمشاركة في مباريات عديدة وعدم الاستسلام، سيساعدني على قلب الطاولة والفوز بالمجموعتين الثانية والثالثة".
تلاهف مواقع المراهنات الرياضية على مباريات أُنس جابر
لم تكن أنس جابر ملهمة للاعبي التنس العرب والأفارقة فقط، بل كانت ملهمة أيضاً لهواة المراهنات الرياضية، فهم يبحثون عن البطولات التي تنافس بها ويراهنون عليها في مواقع مراهنات التنس عبر الإنترنت وهم واثقون من فوزها، وبالتالي فوز رهاناتهم، وكسب العوائد!
تم نشر إحتمالات على جميع مواقع مراهنات التنس اون لاين والتي أغلبها قامت ببث مباشر لجميع مباريات بطولة ويمبلدون وبالأخص المباراة النهائية بين أنس جابر ولاعبة التنس الكزاخستانية إلينا رابيكينا، وقد كانت ارباح هذة المواقع لا تعد ولا تحصى، على غرار المراهنين الذين توقعوا العديد من الأمور في هذة المباراة.
الهدف القادم للاعبة أُنس جابر في عالم التنس
ما يجعل من أنس ملهمة بالحقيقة، كونها لا تحب اللعب بأسلوب واحد، لديها اسلوب متميز وطريقة تعامل مع الخصم أثناء المباريات، هي من هواة تقديم العروض المبدعة، عبر تسديدات مفاجئة للمنافس، وخصوصاً الكرات الساقطة.
لم تنتهي تحديات وطموحات الملهمة التونسية أنس عند هذا الحد، بل تضع أمام عينيها الآن للمباريات والبطولات القادمة، خاصة بعد بلوغها المباراة النهائية بفخر وإعتزاز وخسارتها أمام لاعبة التنس الكزاخستانية إلينا لتتوج الأخيرة بلقب بطولة ويمبلدون. حلم التتويج بلقب المصنفة الاولى عالمياً ما زال في طموح أنس جابر، حتى تبلغ هذا الهدف لابد لها ان تصل الى النهائي في البطولة القدامة. هكذا يمكنها ان تحفر اسمها بحروف من ذهب في تاريخ لعبة الأثرياء.